Search This Blog

24 August 2017

العلمانية و كلام حيزعل ناس كتير

العلمانية ذلك الطفل البائس الذي ينكر بنوته كل سياسي حتى و إن آمن به حتى النخاع ، و لا عجب فإن العلمانية سيئة السمعة من يوم سمع عنها العرب و السر سأتطرق إليه في هذا المقال :
ولكن لنبدأ بما هي العلمانية ببساطة :

العلمانية هي فصل الدين عن السياسة و أمور الحكم ، بمعنى أن الدولة ذات السيادة الخاصة و المعلوم حدودها من كل جهاتها الأربع و التي  تتمتع باستقلال سياسي عن اي كيانات أخرى ، تحكمها مجموعة من القوانين التي وضعها البشر ، تلك القوانين يجب أن تتسم بالعدالة و بمراعاة المساواة بين جميع مواطني تلك الدولة فلا يفرق قانونها بين البشر على اساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو العمر أو الميول الشخصية . بالإضافة إلى مراعاة المساواة بين موطني الدولة الواحدة على قوانين هذه الدولة أن تكفل حرية العبادة و التعبير عن الرأي و حرية التنقل لكل المواطنين.

تاريخ العلمانية:

العلمانية كفكر كانت ضرورة تاريخية في أوروبا المسيحية و التي عانت تحت وطأة جبروت باباوات الفاتيكان و عانى أصحاب الفكر الحر من المسيحين من الإضطهاد و الاتهام بالشعوذة و ممارسة السحر كما عانى اليهود خاصة في اسبانيا و ايطاليا من اضطهاد السلطة المسيحية المقدسة لهم و إجبارهم على تغيير ديانتهم أو الإضطهاد و القتل ، ربما أحد أهم الدول الرائدة في نشر الفكر العلماني هي فرنسا و تبلورت ملامح هذا الفكر في الفترة التالية للثورة الفرنسية في أواخر القرن الثمان عشر و انتشرت الفكرة مما أنهى قرون من سلطة الكنيسة على الفكر و على حرية التعبير السلطة التي استمدتها من قداسة الدين و التي كلفت الكثيرين حياتهم و حريتهم.

العلمانية و العرب :
  
ابو الليبرالية المصرية و أفلاطون العرب الأستاذ أحمد لطفي السيد باشا رئيس دار الكتب و رئيس جامعة القاهرة في فترة من الفترات هو أول من عرف و أدخل كلمة العلمانية و الديموقراطية بوجهها الصريح إلى قاموس السياسة المصرية و إن كانت العلمانية بشكل أكثر تخفيا كانت قد عرفت طريقها إلى مصر من قبل ذلك بنحو القرن و النصف بالتحديد في واقعة علي بك الكبير و خروجة و المماليك عن الجولة العثمانية و تحالفه مع الدولة الروسية التي كانت عدو واضح للدولة العثمانية و كان علي بك الكبير لا يخشى اتهام الباب العالي له بالخروج عن الملة كونه خرج عن الخليفة و لم يخشى دعاوى الأزهر عليه المستمال وقتها ناحية الخلافة العثمانية.

إلا أن ملامح العلمانية باتت أوضح في عهد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة الذي حيد دور الأزهر تماما في الحكم و كذلك عمد إلى بناء مدارس خارج سلطة الأزهر الدينية و استمر تيار "دولنة" الدولة و تحديثها مستمرا من بعده بل و أنتقل نقلة أكبر و أعمق في عهد الخديو إسماعيل و إسماعيل باشا المفتش الذي عمد إلى بناء أكثر من أربعمائة مدرسة لتعليم أطفال المصريين علوم الحياة و ليس فقط علوم الدين و علينا أن نشيد هنا بدور رفاعة الطهطاوي و العائدين من المنح الغربية في تحديث و إعلاء قيم التعليم للفتيات و الفتيان في مصر .

ثم يأتي أحمد لطفي السيد باشا أو الليبرالية المصرية ، كان إيمان أحمد باشا بضرورة فصل الدين عن الدولة و سن قوانين وضعية تناسب العصر و تلائم كل المصريين ، إيمانا قاطعا و قد كلفه هذا أنتخابات مجلس النواب في عشرينات القرن الماضي ، حين استغل منافسه جهل المصريين بكلمة العلمانية و الديموقراطية  و أشاع بين مواطني محافظة الدقلهية أن علماني تعني زواج الأخت من أخيها و أن الديموقراطية كفر و نرك للإسلام ، فما كان من الناس إلا أن ذهبوا و سألوا أحمد لطفي باشا " أنت فعلا ديموقراطي؟" فأجاب الرجل " نعم " فأنصرف أهل الدائرة عنه .

و ربما الحادثة السابقة كانت سبب نشر و مساواة كلمة علماني بكلمة كافر ، اتذكر جيدا في بدايات تسعينات القرن الماضي وقت كنت أحب الأستماع إلى ماجدة الرومي أن أتت أحدى صديقاتي إلي و قالت لي لا تستمعي لها مرة أخرى أن تلك المرأة علمانية وسألتها ما معنى علمانية قالت لي تعني أنها لا تؤمن بالله .

وقتها لم يكن هناك انترنت لأبحث معنى الكلمة لنفسي و كنت في الحادية عشر من عمري فأخذت كلام صديقتي كأمر مسلم به و لكني لم أستطع وقتها التوقف عن سماع ماجدة الرومي فصرت أسمعها سرا .

و هنا يأتي دور رجال الدين الذين أسأوا للمصطلح و رسخوا في الأذهان أن العلمانية مرادف للكفر و أن العلماني كافر ، و لا عجب فسلطة رجل الدين لا تنتهي عند المسجد و تمتد لتسن القوانين و تحلم بقيام دولة الخلافة مرة أخرى التي يكون فيها للمفتي ذات سلطة الخليفة ، استخدام الدين أسهل و ابسط في السيطرة على العامة و تحقيق المآرب السياسية و الوصول للحكم أهم من إبعاد الدين و تنزيهه عن المعارك السياسية و هنا يجب أن يتم إيقاف العلمانية لأن هذا يعني ببساطة أن سلطة رجل الدين سوف تتوقف عند باب المسجد و لذلك كان يجب استحضار بعض الأشباح من الصناديق المغلقة منها أن العلماينة ستمنع الصلاة في المساجد و أنها ستبيح الزنا و أنها سوف تنهي الدين .

و في الحقيقة أن بعض ما يخيف به رجال الدين الناس من العلمانية صحيح فالأنسان تحت حكم قوانين الدولة حر ، حر في إقامة شعائر الدين أو في إقامة علاقات خارج نطاق الزواج و لكنه ليس مجبر علي أي من السابق ذكره هو فقط له حرية الأختيار في أن يكون إنسانا متدينا أو ألا يكون و هذا ما لا يقوله رجال الدين أن الموضوع كله متروك لحرية الأختيار و أن الإنسان مخير بين ما يراه صحيحا و ما يراه خاطئا ، أوليس هذا ما أراده الله أن تترك لنا حرية الأختيار فنختار الطاعة بكامل إرادتنا.

أما عن ما يغفل ذكره رجال الدين هو أن الحكم "الثيولوجي" أو حكم العمائم ينفي و يخنق حرية الأختيار عن الإنسان فالدولة في تلك الحالة تختار لنا و إن خالفنا أختيارها ستقوم تلك الدولة بتطبيق حدودها أو قوانينها في حالة عدم وجود حدود على مواطنيها.

و هذا ليس نهاية حديثي عن العلمانية و أعيش و أضايقكم إن شاء الله 
 

No comments:

Post a Comment